کد مطلب:187315 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:253

و سلاحه البکاء (11)
لا یدری كم مضی من الوقت عند أفاق... ولكنه عندما فتح عینیه ألفی ما حوله یدور فی دوامة رهیبة و قد تسمرت الشمس فی الأفق تتشظی لهیبا و جحیما، و كان أبوه فی قلب أصحابه و أهل بیته، و قد هبوا جمیعا یكتبون بالدماء واحدة من أعظم الملاحم فی تاریخ الانسان.

رمی «ابن سعد» أولی سهام الموت معلنا بدایة الحرب و صرخ بغرور:

- اشهدوا لی عند الأمیر انی أول من رمی.

و انطلقت آلاف السهام لكأن السماء تمطر وابلا من نبال.

هتف الحسین محطما جدران الزمن:

- قوموا الی الموت الذی لابد منه... فان هذه السهام رسل القوم الیكم.

حانت لحظة الالتحام. سبعون أو یزیدون یقاومون اعصارا محملا بحقد الشیاطین و هی تری الملائكة تسجد للانسان.



[ صفحه 37]



تبدد غبار الاشتباك، و قد أسفرت المعركة عن خمسین جریحا تناثروا فوق الرمال.

و لو قدر لك أن تكون فی تلك الساعة فوق قمة «ذو حسم» لرأیت سبط آخر الأنبیاء فی التاریخ و هو یعید تنظیم قواته استعدادا لجولة اخری.. و لذهلت لبسالة انسان لا یعرف للیأس سبیلا الی نفسه. قلبه الذی یضاهی الجبل بثباته لا یعرف غیر المقاومة.

انظر الی الجناح الأیمن فی جیش یزید. لقد بدأ هجوما كاسحا. كان عمرو بن الحجاج یقود ذئابه لحسم المعركة.

كان رجال الحسین یقاتلون بعزم حدیدی أو أشد بأسا... حتی أجبروا المهاجمین علی التراجع.. و قد سقط «ابن عوسجة» مضمخا بالدماء یتمتم بصلاة هادئة.

قال حبیب و كان صدیقا له:

- عز علی مصرعك یا مسلم! ابشر بالجنة.

همس بصوت واهن و قد ارتسمت ابتسامة كشمس تشرق من وراء الغیوم:

- بشرك الله بالخیر.

قال حبیب:

- لو لم أعلم انی فی الأثر لأحببت أن توصی الی.

أجاب مسلم ملقیا وصیته الخالدة للأجیال:

- أوصیك بالحسین أن تموت فی سبیله.



[ صفحه 38]



هتف حبیب و قد تفجر فی أعماقه غضب سماوی:

- أفعل و رب الكعبة.

ظهر الشمر كخنزیر یقود الجناح الأیسر من جیش یزید... ها هو یستعد للغدر و الفتك و قتل أولاد الأنبیاء.

و استعد رجال الحسین لصد الهجوم، و امتلأ الفضاء غبارا و لهیبا و بدت السیوف فی غمرة التراب المتطایر صواعق تحتفل فوق الأرض.

صرخ الشمر و هو یمزق خیمة الحسین بالرمح:

- علی بالنار لأحرقها علی أهلها.

فرت النسوة و الأطفال كطیور هاربة من سفن غرقت فی القرار.



[ صفحه 39]